Saturday, March 24, 2007

ولا احنا هنا


كتب : يوسف معاطي
والله اني لأعجب‏..‏ وأندهش‏..‏ بل وأنحني احتراما لتلك العبقرية المصرية في التعامل مع الكوارث والمصائب‏..‏ تلك الطريقة الفذة التي انفرد بها شعبنا دونا عن سائر الشعوب الأخري‏..‏ ان المصري لا يعترف بأي شيء سلبي يحدث له‏..‏ وليس هذا التفاؤل في طبيعته لاسمح الله‏..‏ ولا لبرود في دمه ـ أعوذ بالله ـ وإنما لأنه يمتلك نظرة فلسفية ليس لها أي مبرر تجعله ينظر باستخفاف إلي أي مصيبة‏..‏ ولا كأنها حصلت من أساسه‏..‏ تلك النظرة التي واجه بها المصري القديم الهكسوس وهم يدخلون مصر علي عرباتهم الحربية وكلهم همجية وفرحة حيوانية بالانتصار الساحق‏.‏والمصري القديم ولا هو هنا‏..‏ ينظر نحو الإله بتاح‏..‏ ويبتسم في ثقة‏..‏ ح يعملوا إيه الهكسوس يعني‏..‏ عاوزين يقعدوا‏..‏ ما يقعدوا‏..‏ والسيناريو نفسه تكرر مع الرومان والإغريق والفرنساويين والإنجليز وحتي الألمان‏..‏ انظر إلي المصري حينما يزور مريضا‏..‏ لا جذع ولا توتر‏..‏ وإنما ينظر نحو المريض الذي يكاد يحتضر أمامه ثم يقول له ببساطة‏:‏ ما انت زي القرد أهوه‏..‏ أمال بيقولوا عيان‏..‏ ما بلاش السلبطة دي‏!!‏ وانظر إليه حينما يسمع خبر موت فلان‏..‏ تجده يقول ببساطة‏..‏ استريح‏..‏ حد لاقي الموتة دي‏!!‏ ببساطة شديدة يقول المصري يا عم ح تفرج‏..‏ ما حدش بينام من غير عشا‏!!‏ ولهذا يا أعزائي‏..‏ نتكاثر نحن المصريين بتلك الصورة الفظيعة‏..‏ ولا تحديد نسل نافع معانا ولا وسائل منع الحمل شغالة في البلد دي‏..‏ ومهما شيدنا كباري فوق الأرض وأنفاق تحت الأرض‏..‏ نملؤها بالبشر بعون الله في ظرف عشر دقائق‏.‏وتخيل سعادتك ـ ولماذا تتخيل ما انت مجرب كل ده ـ أن تستيقظ من نومك فتشرب كوبا من الماء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف أنك كنت تشرب كوبا من السبانخ‏..‏ ثم تفتح الشباك لتستنشق الهواء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف لماذا يستخدم المصريون عمال علي بطال كلمة زفت في حوارهم اليومي‏.‏نفطر بأه‏..‏ طبق الفول المتين ورغيف العيش بزلطه ومساميره‏..‏ خراسانة جاهزة نموذجية تجعل معدتك ع المحارة‏..‏ وبعد أن تمر من كل هذا يا بطل‏..‏ انزل الشارع‏..‏ السيارات تمضي والمواطنون أيضا كلاهما يكسر الإشارة‏..‏المواطن والسيارة‏..‏ وكل حسب قدرته علي تفادي الآخر‏..‏ ولقد اكتسب المصري مقدرة عالمية في المرور بين السيارات برشاقة كراقص باليه محترف‏..‏ وعبرنا يا سيدي‏..‏ رايح علي فين يا بطل‏..‏ تقول انك ذاهب إلي المرج‏..‏ وماله نركب القطار‏..‏ سيحترق القطار بالتأكيد أو سيرتطم بقطار آخر‏..‏ ولكن ماذا يخيف في ذلك‏,‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ألا تذكر يوم انفجرت أنابيب الغاز عندكم‏..‏ ماذا حدث‏..‏ ربنا ستر والحمد لله‏..‏ وكانت الإصابة في كتفك ونقلوك إلي المستشفي‏..‏ وظللت تنزف من الساعة الحادية عشرة مساء حتي أتي الطبيب تاني يوم ليقول إنك تحتاج نقل دم‏..‏ وماله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ونقلوا لك الدم وكانت الأكياس ملوثة‏..‏ وإيه يعني‏..‏ هيه جات ع الأكياس‏..‏ يا عم قول يا باسط‏..‏ إن الصحافة تبالغ كثيرا وتهول في الأمور‏..‏ وهل لو كانت الأمور بهذه الخطورة التي يصورونها‏..‏ كنا اقتربنا الآن من ثمانين مليون نسمة؟‏!‏ تلك هي عظمة شعبنا‏..‏ والآن كل الجرائد والكافيهات والسهرات العائلية مشغولة بحديث روتانا وفتيات الليل‏..‏ وسمعة مصر‏,‏ برغم أن مصر الآن صارت في سن يبعدها عن الشبهات‏..‏ واحدة عندها سبعة آلاف سنة مش كبيرة يعني‏,‏ وكلنا يعلم أن مصر لو في وسط ميت راجل لو محافظة علي نفسها خلاص‏..‏ كل هذا يحدث والتعديلات الدستورية الجديدة ستناقش في مجلس الشعب‏..‏ والمصريين ولا هما هنا‏..‏ تعديلات إيه ودستور إيه خليها علي الله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ده بيقولك البت من دول بتكسب عشرة آلاف وربعمائة جنيه في الشهر‏..‏ قلت له إزاي‏..‏ قال لي عشرتلاف جنيه مرة من شغلها‏..‏ وربعمية مرة لما بتتكلم عن شغلها‏.

Wednesday, March 14, 2007

في الممنوع - مجدي مهنا

«فلاحو دكرنس يواصلون الاعتصام في أراضيهم لليوم السابع.. ويطالبون بتدخل الرئيس».
كان هذا هو عنوان التقرير الخبري الذي كتبته الزميلة غادة عبدالحافظ مراسلة «المصري اليوم» في الدقهلية، وسبب الاعتصام هو صدور أحكام قضائية نهائية بطرد الفلاحين من الأراضي التي تسلموها في عام ١٩٦١ من الإصلاح الزراعي، وإعادتها إلي ملاكها الأصليين قبل انتزاعها منهم.
وقبل أيام ناشد نادي مجلس الدولة، الرئيس حسني مبارك التدخل لاستصدار قرار بسفر زميلهم القاضي الشاب للعلاج علي نفقة الدولة في الخارج، ثم مناشدة أخري للرئيس بالتدخل لمنع المذبحة التي كان يعدها وزير العدل المستشار ممدوح مرعي ضد أحد القضاة.
وكل يوم نقرأ في الصحف أخباراً ومناشدات، تطالب بتدخل رئيس الجمهورية لحل مشكلة ما، بعد أن سدت أمامهم جميع السبل.
وأصحاب الشكاوي والعرائض مواطنون عاديون، ورجال أعمال، وعمال يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم أو لمجرد إحساسهم بالخوف من طردهم من عملهم
ومن يتابع هذه الظاهرة، لابد أنه سيصل إلي قناعة بأنه لا يوجد مسؤول في مصر غير رئيس الجمهورية، هو وحده الذي يملك سلطة إصدار القرار في مصر، وهو الذي يتدخل لحل المشكلات، كبيرها وصغيرها، ودولة تدار بهذا الشكل، جميع المسؤولين فيها ينتظرون قرار الرئيس وتعليماته، لابد أن تتفجر فيها الأزمات كل يوم، وتصاب شرايين نظام الحكم بالجلطات وبتصلبها وعدم تدفق الدماء بداخلها، وترسب الدماء الفاسدة بها.
المصريون اليوم لا حل لمشكلاتهم، إلا بالذهاب إلي أولياء الله الصالحين، للدعاء بانفراج أزماتهم ومشكلاتهم، أو بالذهاب إلي الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، لكي يقوم بنفسه بتصعيد المشكلة إلي رئيس الجمهورية،
ولا طريق ثالث، طريقان فقط لحصول المصريين علي حقوقهم، بعد أن أصبح المواطن الذي يلجأ إلي القضاء للحصول علي حقه يعاني الأمرين في سبيل تنفيذ حكم القضاء الصادر لصالحه، بعد رحلة معاناة طويلة في المحاكم قد تستمر سنوات وسنوات، وفي النهاية قد يلجأ إلي الصحف أو إلي بعض البرامج في التليفزيون والفضائيات لمناشدة رئيس الجمهورية تنفيذ حكم القضاء.
كثيراً ما نقرأ في الصحف عن مناشدات من هذا النوع، وكأن احترام أحكام القضاء يتطلب تدخل رئيس الجمهورية لتنفيذها.
قد تصلح هذه الطريقة في الحكم في إدارة «قرية» في ريف أو صعيد مصر، لكنها لا تصلح لإدارة وطن في حجم مصر، أن يتحول رئيس الجمهورية إلي عمدة، هو الذي يأمر وينهي، وهو الذي يقرر كل شيء، وهو كبير العائلة الذي يتم الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة.
وحتي هذه الطريقة لم تعد قائمة في القري، ومهمة العمدة اختلفت الآن عن أيام زمان، فلم يعد له هذا النفوذ والسلطة اللذان كان يتمتع بهما في الماضي، فما بالنا برئيس جمهورية مسؤول عن ٧٧ مليون مواطن، كيف يدير شؤونهم علي طريقة «عمدة» زمان؟ والحمد لله أننا لم نقرأ حتي الآن في الصحف عن مناشدة إحدي الزوجات تدخل رئيس الجمهورية لحمايتها من معاملة زوجها لها، لكن لو حدث ذلك فلن يكون غريباً، لأن مناشدات المواطنين للرئيس لم تترك له شيئاً لا تطالبه بالتدخل فيه لحله، سوي الخلافات الزوجية!

Wednesday, February 28, 2007

رسالة من الحكومه لأبنها المواطن


عزيزى المواطن بتاع النضال
يا راكب دماغك و غاوى الحلال
نصيحة يا صاحبى بلاش الخيال
و غمض عيونك و ربى العيال
بلاش المناكفة و لايم و عيش
هتتعب معانا و سهمك يطيش
نلفق لاهلك قضية حشيش
و تصبح حكاية و نكتة و مثال
تعالى و هاودنا و عدى الامور
و عيش فى الطراوة و خش الطابور
لكن لو هتزعل و دمك يفور
هنشهد نهايتك فى بحر الرمال
هتصبح حرامى هتصبح امير
هتصبح حرامى و ندل و اجير
و نقدر نلخبط فى اصلك كتيير
و جدك شحاتة هيصبح شحال
هنحلف ان الحبايب شافوك
بتقبض يا خاين و تقتل اخوك
ساعتها مراتك هتلعن ابوك
و تلطم و تنعى احط الرجال
مالكش انت دعوة بى اا اللى ضاع
و مين اللى شارى و مين اللى باع
و مين اللى كيل و مين اللى شال
فحب الحكومة و حب السلام
و علم ولادك يشدوا الحزام
علشان بكرة هياكلو حمام
و ينسوا الاسية و ينسوا الهزال
فلازم يا صاحبى تغمض عنيك
و طنش علينا نطنش عليك
و اياك تشاور نقطع ايديك
و تصبح مواطن ما يسواش ريال
عزيزى المواطن بتاع النضال
يا راكب دماغك و غاوى الحلال
نصيحة يا صاحبى بلاش الخيال

Monday, February 12, 2007

مواقف - أنيس منصور

الحمد لله‏,‏ فأنا وأنت لانزال أحياء‏,‏ نقرأ ونكتب ونتلفت يمينا وشمالا‏..‏ ونجلس ونقف وننتظر إلي بعيد وإلي قريب‏..‏ ونمد أيدينا إلي الطعام وندفعه بعيدا عنا وننهض ونخرج إلي أي مكان‏..‏ وكل هذه حركات يجب أن نحمدالله عليها‏..‏ فإن كنت تري أن الذي فعلته أنت في هذه اللحظة ليس شيئا كبيرا‏,‏ وأنه ليس أسخف من هذا الكلام الذي قلته لك مع بداية عام جديد‏,‏ فأرجوك أن تخطف رجلك إلي أقرب مستشفي‏..‏ وانظر من بعيد ما الذي تراه؟‏!‏ ما الذي تسمعه؟‏!‏ ما الذي تشمه؟‏!‏ الحمد لله أنك لست واحدا من هؤلاء الذين أمامك‏..‏ إنها نعمة كبري أن تكون قادرا علي الذهاب إلي هناك تتفرج‏..‏ وتمكث بعض الوقت‏..‏ وتهرب بعيدا‏,‏ ناسيا أنك أحسن حالا وأصح جسما وأقدر علي الحركة‏..‏ أرجوك أن تجعل طريقك علي المقابر‏..‏ واحمد ربنا‏..‏ وإن كنت في سيارة فانظر إلي الناس‏..‏ انهم يمشون علي أقدامهم‏..‏ وإن كنت تمشي علي قدميك‏,‏ فانظر إلي الناس الذين ينزلون من السيارات وقد ساندوهم‏,‏ لأنهم لا يقدرون علي الحركة‏..‏ وإن كانت ذراع واحدة أو ساق واحدة أو عين واحدة توجعك‏,‏ فاحمد الله علي أنها واحدة‏..‏وإذا وجدت وجوها مكشرة فابتسم‏,‏ فإن الابتسام نعمة كبري‏..‏ إن الابتسام يغسل أعماقك ويجلو وجهك‏..‏ ويجعل دنياك أهدأ وأنعم‏..‏ صدقني إن الذي لا يملك الابتسام قد خسر كثيرا جدا‏..‏ ولا شيء يدل علي حضارة الإنسان مثل ابتسامته وبشاشته‏..‏ فالشعوب البدائية لا تعرف كيف تبتسم‏..‏ والابتسامة هي أرخص عملية كيميائية خلقها الله‏..‏ فلا تكاد تبتسم حتي تتوازن في داخلك قوي وعضلات وأعصاب ووظائف‏..‏ مع أن الذي فعلته ليس إلا إضاءة شمعة واحدة علي وجهك‏..‏ ولكن هذه الشمعة تضيء ما لا نهاية له من الشموع في داخلك‏..‏ في قلبك‏..‏ وعقلك‏..‏ وأحلامك‏..‏ والطريق أمامك‏.‏ أرجوك أن تنظر إلي بيتك‏..‏ إلي غرفه‏..‏ إلي أثاثه‏..‏ إلي زوجتك وأولادك‏..‏ احمد ربنا علي الذي أعطاك‏..‏ لابد أن تفعل ذلك‏..‏ لكي تريح نفسك وعقلك وجسدك والناس حولك‏..‏ وقوله تعالي‏:‏ لئن شكرتم لأزيدنكم هي حكمة يومك وغدك وعامك المقبل إن شاء الله‏.‏

Wednesday, February 7, 2007

دا شعب فقرى

دا شعب فقرى
نظرا لأن النعمة فاقت حدها
ولأننا مش قدها
ولأن فعلا انجازاتك
فوق طاقتنا نعدها
ولأننا غرقنا في جمايل
مستحيل حنردها
نستحلفك ....... نسترحمك
نستعطفك .......نستكرمك
ترحمنا من طلعة جنابك حبتين
عايزين نجرب خلقة تانية
ولو يومين
اسمع بقى
إحنا زهقنا من النعيم
ونفسنا في يومين شقا
عايزين نجرب الاضطهاد
ونعوم ونغرق في الفساد
بيني وبينك حضرتك
دا شعب فقرى مايستحقش جنتك
أنا عارفه شعب ماينفعوش
إلا شارون وبلير وبوش
عايز يجرب الامتهان
ويعيش عميل للأمريكان
بيمد "غازه" لإسرائيل
ويومين كمان ويمد نيل
أهو يعنى نشرب ميه واحدة
ندوب في بعض
ماء وماء وماء
ونفض سيرة الانتماء
وبلاها نعرة وطنطنة
تبقى البلاد "مستوطنة "
(متسلطنة بالسرطنة)
إيه اللي خدناه م الكرامة والإباء
حبة خطب وكلام...كلام
إحنا راهننا على النظام
ورضينا بخيار السلام
بخيارحنسد عين الشمس بيه
علشان مايطلعش النهار
ويطلع لمين؟
حبة معارضة مغرضين؟
وحسب بيان السلطة
شلة مأجورين؟
ياعم فضك سيرة
وارضى بقسمتك
دا شعب مش فاهم أكيد
يالا اطرده من رحمتك
وإن كنت غاوي الحكم
خليك مطرحك
حاغطس واقب وأعود
بشعب يريحك
راضى وعمره مايجرحك
أخرس ومايسمعش
وأعميلك عينيه
مش كل قرش يبص فيه
مايقولش لأه، وفين، وليه
يضرب ينفض في السليم
وعلى الصراط المستقيم
كل اللي يعرف ينطقه
عاش الزعيم
يحيا الزعيم
أحمد فؤادنجم

Tuesday, February 6, 2007

أربعون يوما علي الرحيل - مصطفى بكري

أيام قليلة وتحل ذكري الأربعين.. افتقدناك كثيرا يا أيها الرمز النبيل أربعون يوما مضت وأنت بين يدي الله سبحانه وتعالي، دمك معلق في رقابنا جميعا، الذين اسقطوك، والذين أسروك، والذين عذبوك، والذين سلموك، والذين اغتالوك، والذين تآمروا، والذين صمتوا!!مازلت أتذكر كلماتك، كانت قدماك تمضيان إلي المقصلة في ثبات غريب هامتك مرفوعة، وعيناك تستقبلان الموت بشجاعة نادرة.. في مثل هذه الحالات يفقد المرء قدرته علي الصمود، يهتز توازنه، وتسقط من اجندته كل معاني الفروسية والشجاعة، ولا تقوي قدماه علي حمل جسده، غير أنك كنت شيئا مختلفا..لسانك راح يردد كلمات المؤمن بالأمة وبالعقيدة: عاش العراق، عاشت الأمة، عاشت فلسطين عربية، ياه حتي وأنت تمضي إلي ساحة الموت، لا تزال الأمة في ذاكرتك، ولا يزال العراق يعيش بداخلك، ولا يزال حلم الدولة العربية في فلسطين يشدو بأروع القصائد في كلماتك.. من أي تربة انت يا أيها الفارس العربي النبيل..منذ أكثر من عام كنت قد حصلت علي محضر اللقاء بين وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد وبينك أنت يا من ألقوا بك في غياهب السجون، كنت فارسا، نبيلا، عرضوا عليك مجرد إصدار بيان علي شاشات الفضائيات تطلب فيه من المقاومة التوقف والانخراط في العملية السياسية، لكنك فضلت السجن، واخترت أن تموت شهيدا مرفوع الرأس، علي أن تعيش ذليلا خانعا أبد الدهر..يومها خرج البعض يشكك في محضر اللقاء، غير انه وبعد استشهادك بقليل، نشر نص المحضر حرفيا في العديد من الصحف العربية والدولية، وبينها صحيفة الأخبار القاهرية، لتثبت للعالم مجددا أنك كنت الأقوي، وأنك اخترت الاختيارالصحيح.يا أيها الشهيد النبيل، يا أباعدي..كان بإمكانك أن تهرب، وأن تقبل العروض، وأن تطلق ساقيك للريح كما فعل غيرك قبل الغزو، كان بإمكانك أن تدفع بولديك وحفيدك مصطفي وزوجك وابنتيك واحفادك الصغار، كان بامكانك أن تطلب من شقيقاتك وأقاربك أن يتسللوا إلي الخارج في هدوء، ليهربوا قبل أن يحل الطوفان.. لكنك وانت المغموس في تراب هذا الوطن، رفضت كل النصائح، وبقيت أنت واسرتك وأقاربك أسري للحصار، ثم الغزو، ثم القتل، ورفضتم جميعا أن تغادروا..احتل التتار الجدد بغداد.. بعد مقاومة باسلة، هل تتذكر يا سادة الرئيس، كيف كنت تتحدي القنابل والصواريخ والطائرات وجواسيس الأمريكان وتمضي إلي الشوارع وتلتقي المقاتلين؟. هل تتذكر معركة المطار، عندما مضيت مع جنودك وكتائب المناضلين لتحصد مئات الأرواح الأمريكية وتبث الذعر في القوات التي احتلت مطار بغداد؟لقد روي الكثير من شهود الحدث، خاصة من المتطوعين العرب انهم رأوك إلي جانبهم تمسك بالصواريخ المحمولة علي الاكتاف، وتطلق الدانات بمهارة فائقة.. امتدت المعركة لساعات طوال، حاصروكم بالطائرات والدبابات، اطلقوا قنابل محرمة دوليا، لكنك لم تهتز، وتحقق الوعد الذي اطلقه الصحاف علي لسانك..هل رأيت كيف مضت الأيام؟ هل شاهدت العراق وكيف تتقطع أوصاله بعد أن كان واحدا من أقوي بلدان المنطقة؟!هل اطلعت علي أحوال شعبك، كيف يعذب، وكيف يقتل الناس بالمئات يوميا؟ هل قالوا لك عن ساحات التعذيب والحرب الطائفية التي تحدث برعاية أمريكية وبريطانية مباشرة؟ هل اطلعوك علي عدد الشهداء وقالوا لك انهم أكثر من مليون يا سيدي الرئيس؟!!أكثر من مليون ومائة واثني عشر ألف شهيد في فترة لم تتجاوز الأربع سنوات هي عمر الاحتلال، ناهيك عن مليوني جريح، و7 ملايين أجبروا علي الهجرة إلي الخارج..انظر يا سيدي الرئيس إلي شعبك البطل، شعب الحضارة وصناع التاريخ، كيف يعيش الآن؟.. في الداخل موت وقتل وتعذيب وانتهاك للأعراض، خطف وجثث معلقة في الشوارع، مساجد تهدم، ومصاحف تمزق، وأئمة يقتلون، خراب يحل بالبيوت، وثروة تنهب، وتاريخ يحرق، ونفط يسرق بمعدل نصف مليون برميل يوميا وفقا لتقرير بيكر هاميلتون!!وفي الخارج أنظمة تحاصرهم، وجوع يطاردهم، ومستقبل مجهول ينتظرهم!!إنها مؤامرة كشفت عن وجهها سافرا، حملة من الأكاذيب ساقوها عن امتلاكك لأسلحة الدمار الشامل وعلاقة بالقاعدة، فإذا بلجنة 'ديفيد كاي' تثبت أن كل ما قيل ليس له أصل من الحقيقة، وأن الغزو كان مقصودا، لحساب المصلحة الأمريكية الصهيونية لاسقاط الحكم الوطني والاتيان بمجموعة من العملاء ليحكموا ويتحكموا..جاءوا بأحمد الجلبي واياد علاوي وإبراهيم الجعفري وعبدالعزيز الحكيم ونوري المالكي، كلهم امتطوا الدبابات الأمريكية ليخترقوا الجدار ويضعوهم علي رأس سلطة وهمية هي من صنيعة جارنر، وبول بريمر، وخليل زلماي زادة.. مجرد عرائس متحركة لا تملك من أمرها شيئا..جاءوا بهم ليشاركوا في نهب العراق واثارة الفتنة علي أراضيه وذبح العلماء والقضاء علي كيان الدولة الوطنية وحل الجيش وتدمير بنية المجتمع..إذن هذه هي الديمقراطية الأمريكية، وهذا هو العراق النموذج الذي يسعي جورج بوش إلي تعميمه في المنطقة بأسرها.. وهذه هي حدود الدم التي تحدثت عنها مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عددها التاريخي الذي صدر في يوليو من العام الماضي، تقسيم المنطقة إلي دويلات طائفية وعرقية!!هؤلاء الذين صدعوا رءوسنا بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان خارج أو داخل عالمنا العربي، ليتهم صمتوا واكتفوا بالتواطؤ، لكنهم يحاولون الآن اغتيالك من جديد.. لأنهم لا يريدون رمزا قوميا عروبيا، انهم يريدون كل الرموز مسخا، لأن رسالتهم هي تدمير هذه الأمة واشاعة الفوضي علي أرضها، والتسخيف من القومية والعروبة والثوابت والمقاومة..هؤلاء عملاء للأمريكان، يعلو صوتهم في مواجهة كل من يتمسك بالوطن والأمة، بالهوية والعقيدة، لذلك يطلقهم سادتهم الأمريكان فيتحولون إلي كلاب مسعورة مع أنهم ليسوا أكثر من خدم تمولهم المخابرات الأمريكية وتمول مشروعاتهم وأدواتهم السياسية والاعلامية.هؤلاء يمارسون عملية التضليل مجددا، إنها الحرب الثالثة التي يخوضونها، لقد هالهم هذا الالتفاف الاسطوري وهذا الغضب العارم الذي اجتاح الشارع العربي والاسلامي بعد اغتيال الرمز الشهيد، فراحوا يطلقون قذائفهم المسمومة، ويعيدون تكرار ذات الروايات الكاذبة والادعاءات المضللة عن الديكتاتورية والاستبداد والمقابر الجماعية.وينسي هؤلاء الخدم جرائم أمريكا وعملائها، ينسون أن من واجههم البطل الشهيد هم انفسهم الذين جاء بهم المستعمرون وقالوا إنهم حكام العراق وهم ليسوا أكثر من مطايا هدفها منح الاحتلال مشروعية أمام الرأي العام.الشارع لا يهتم كثيرا بهؤلاء الأفاقين، فالكل يعرفهم ويعرف أهدافهم، ولقد فقدوا مصداقيتهم منذ زمن طويل مهما اطلقوا من شعارات ومهما تحدثوا عن الحرية والديمقراطية، فهذه الكلمات نفسها كان يطلقها الجلبي وعلاوي والحكيم، والآن تكشف للعالم كله المعني الحقيقي لديمقراطيتهم المزعومة،ديمقراطية القتل والموت والتعذيب بالأوامر الأمريكية.أربعون يوما مضت يا سيدي الرئيس.. اغتالوك ولم تتوقف المقاومة، بل ازداد لهيبها، فالجنود الأمريكيون يسقطون بالعشرات ما بين جرحي وقتلي كل يوم، طائرات تحترق، وجنود يهربون، ورئيس هزم حزبه الجمهوري، وفقد هو ما تبقي من عقل لديه، فراح يدفع بآلاف الجنود الأمريكيين إلي المحرقة من جديد..يا أيها الشهيد البطل..نم قرير العين، فدمك ودماء العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين لن تذهب سدي.. هذه الدماء الزكية ستكون دافعا لنا، ونبراسا لكل المقاومين..في يوم ما، في زمن أقرب مما يتصورون سنحتفل بذكراك يا أبا عدي وأكاليل النصر تزين القلاع والشوارع والبيوت..لقد ضربت المثل في الصمود ولم ترض بحكم العار والخنوع، رفضت ان تتنازل وأن تدخل إلي سوق النخاسة، سوق البيع والشراء.. لذلك لم تمت، ولن تموت، بل ستبقي حيا في الذاكرة أبد الآبدين.سنحكي لأبنائنا ولأحفادنا قصة بطل من تكريت، بطل يعيد إلينا من جديد اسطورة عمر المختار الذي تحدي وقاتل واستشهد دون تنازل أو تراجع أو خنوع.

Monday, January 8, 2007

الأشجار تموت واقفةً كصدام ـ محمد حماد


محمد حماد : بتاريخ 6 - 1 - 2007

كرجل أثبت صدام حسين ساعة إعدامه أنه فائق الرجولة، لم أعرف رجلا واجه موته بكل هذا الثبات، وأنا الذي رأيت بأم العين المحكومين بالإعدام وقد تحولوا إلى بقايا بشر لا يقوى الواحد منهم على الوقوف من لحظة الحكم عليه حتى ساعة تنفيذ الحكم، كنت أحمل بعض هؤلاء لأساعد الواحد منهم على أن يتمشى في زنزانته، وكانت قدماه تخذلانه كل مرة وتنهار تحته، فلا يقدر على مجرد الحركة من هول ما ينتظر، شارداً ينظر الواحد منهم إلى لاشيء، لونه أصفر، وصمته خوف، وعيناه من الرعب لا تثبتان في مكان، ومما أعرفه عن الرجل توقعت أن يكون صدام حسين ثابتاً، ولكن ليس بكل هذا الثبات، وتوقعت أن يكون شجاعاً، ولكن ليس كل هذه الشجاعة، وكنت أعرف أنه رجل، ولكن ليس كل تلك الرجولة التي تبدت لحظة أعدموه.!وكمبدئي حاز صدام حسين شرف الموت وهو يعض بالنواجذ على كل ما آمن به، ذهب إلى المقصلة باختياره، لأنه رفض أن يكون رقماً في قائمة المتعاونين مع الأمريكان، هتف باسم بلاده، ولم ينس ساعة الموت فلسطين، قال:عاشت فلسطين وهو يموت، وكانت رسائله التي أراد أن تصل إلى من يعنيهم الأمر أقوى وأبلغ من تلك التي حاول أن يرسلها قاتلوه، وكبعثي ظل متمسكا بعروبته، قابضا على وحدة العراق، رافضاً تقسيمه، بل مات رمزاً للعراق المستقل فأعطى موته للبعث دفقة الحياة من جديد.! وكحاكم عربي كان صدام حسين عصياً على الإذلال الذي أرادوه له وللعراق، وأظهرت شجاعته تحت حبل المشنقة جبن إخوانه من حكام عرب تحت السيطرة الأجنبية، بصق بصلابته في وجوه المتخاذلين قبل المتواطئين ، أثبت أنه الرجل في زمن عز فيه الحكام الرجال، مات واقفاً، أبى أن يكون من حكام الطوائف المتسابقين على رضا أعداء الوطن الواحد، وتركهم يموتون من الخوف ركوعاً أمام أسيادهم من الأمريكان والصهاينة، مات منتصب القامة، وهم يموتون كل يوم من كثرة ما أحنوا قاماتهم الهزيلة.!وكعدو لطخ بالعار وجه أعدائه طول حياتهم وبعد مماتهم، اتهموه بالمقابر الجماعية وهم الذين حولوا العراق كله إلى مقبرة جماعية، صوروا أنفسهم دعاة الديمقراطية وحماة التحضر فوصمهم بموته بالعنصرية وعرى حضارتهم على اللحم، وأظهر بما لا يدع مجالاً للشك صورة القائد الذي لا يلين في وجه أعدائه ساعة الرحيل، قلب التشفي على أصحابه، رده إلى نحور الصغار الذين حاولوا التشفي فيه، عرّاهم من كل معنى للرجولة ساعة فضح حقدهم على رجل مقبل على لقاء ربه، أظهر ضعفهم وهم يقدمونه إلى المقصلة، عاري الرأس مفتوح العينين، مقبل غير مدبر، شامخ كأنه في عرس، واثق الخطوة كأنه في طريقه ليس إلى منصة الإعدام ولكن إلى منصة التنصيب من جديد رئيساً للعراق، كان أكثر اطمئناناً من جلاديه، وكانوا هم المقَّنعين كأنهم هم المساقون إلى المشنقة، وكان هو القوي ساعة الموت، يُعنّف جلاّديه وحبل المشنقة حول رقبته، أسقطهم صرعى طائفيتهم البغيضة قبل أن يصرعوه.!حاولوا إذلال الأمة بتوقيت الإعدام فجر يوم العيد، فحوله هو إلى يوم عزة لكل الأمة، وسيظل يرعبهم في موته كما كان في حياته وربما أكثر، وأظن أنه كان يعرف أنه سيكون أخوف لهم في مماته من حياته، كانوا يخافون منه حياً، ولكنهم سوف يرتعدون رعباً بعد موته، ستخيفهم جثته بأكثر مما أخافهم حياً سجينا بين أيديهم، هو الذي رفض المنفى الآمن وقد دعي إليه عربياً بمباركة أمريكية، وآثر أن يموت في المواجهة بدلاً من أن يرحل ذليلاً ملبياً للأعداء بعض ما يريدون، أنهى صدام حسين حياته على الصورة التي أرادها لنفسه، وترك زملاءه من حكام العرب يتخبطون في حياةٍ الموتُ منها أفضل، وكان يمكن أن نوجز القول فنقول: مات صدام واقفاً كالأشجار، ولكنا حين رأينا شموخه في موته فليس لنا إلا أن نقول بدون أدنى إحساس بالمبالغة إن الأشجار تموت واقفةً كصدام.!