Saturday, March 24, 2007

ولا احنا هنا


كتب : يوسف معاطي
والله اني لأعجب‏..‏ وأندهش‏..‏ بل وأنحني احتراما لتلك العبقرية المصرية في التعامل مع الكوارث والمصائب‏..‏ تلك الطريقة الفذة التي انفرد بها شعبنا دونا عن سائر الشعوب الأخري‏..‏ ان المصري لا يعترف بأي شيء سلبي يحدث له‏..‏ وليس هذا التفاؤل في طبيعته لاسمح الله‏..‏ ولا لبرود في دمه ـ أعوذ بالله ـ وإنما لأنه يمتلك نظرة فلسفية ليس لها أي مبرر تجعله ينظر باستخفاف إلي أي مصيبة‏..‏ ولا كأنها حصلت من أساسه‏..‏ تلك النظرة التي واجه بها المصري القديم الهكسوس وهم يدخلون مصر علي عرباتهم الحربية وكلهم همجية وفرحة حيوانية بالانتصار الساحق‏.‏والمصري القديم ولا هو هنا‏..‏ ينظر نحو الإله بتاح‏..‏ ويبتسم في ثقة‏..‏ ح يعملوا إيه الهكسوس يعني‏..‏ عاوزين يقعدوا‏..‏ ما يقعدوا‏..‏ والسيناريو نفسه تكرر مع الرومان والإغريق والفرنساويين والإنجليز وحتي الألمان‏..‏ انظر إلي المصري حينما يزور مريضا‏..‏ لا جذع ولا توتر‏..‏ وإنما ينظر نحو المريض الذي يكاد يحتضر أمامه ثم يقول له ببساطة‏:‏ ما انت زي القرد أهوه‏..‏ أمال بيقولوا عيان‏..‏ ما بلاش السلبطة دي‏!!‏ وانظر إليه حينما يسمع خبر موت فلان‏..‏ تجده يقول ببساطة‏..‏ استريح‏..‏ حد لاقي الموتة دي‏!!‏ ببساطة شديدة يقول المصري يا عم ح تفرج‏..‏ ما حدش بينام من غير عشا‏!!‏ ولهذا يا أعزائي‏..‏ نتكاثر نحن المصريين بتلك الصورة الفظيعة‏..‏ ولا تحديد نسل نافع معانا ولا وسائل منع الحمل شغالة في البلد دي‏..‏ ومهما شيدنا كباري فوق الأرض وأنفاق تحت الأرض‏..‏ نملؤها بالبشر بعون الله في ظرف عشر دقائق‏.‏وتخيل سعادتك ـ ولماذا تتخيل ما انت مجرب كل ده ـ أن تستيقظ من نومك فتشرب كوبا من الماء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف أنك كنت تشرب كوبا من السبانخ‏..‏ ثم تفتح الشباك لتستنشق الهواء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف لماذا يستخدم المصريون عمال علي بطال كلمة زفت في حوارهم اليومي‏.‏نفطر بأه‏..‏ طبق الفول المتين ورغيف العيش بزلطه ومساميره‏..‏ خراسانة جاهزة نموذجية تجعل معدتك ع المحارة‏..‏ وبعد أن تمر من كل هذا يا بطل‏..‏ انزل الشارع‏..‏ السيارات تمضي والمواطنون أيضا كلاهما يكسر الإشارة‏..‏المواطن والسيارة‏..‏ وكل حسب قدرته علي تفادي الآخر‏..‏ ولقد اكتسب المصري مقدرة عالمية في المرور بين السيارات برشاقة كراقص باليه محترف‏..‏ وعبرنا يا سيدي‏..‏ رايح علي فين يا بطل‏..‏ تقول انك ذاهب إلي المرج‏..‏ وماله نركب القطار‏..‏ سيحترق القطار بالتأكيد أو سيرتطم بقطار آخر‏..‏ ولكن ماذا يخيف في ذلك‏,‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ألا تذكر يوم انفجرت أنابيب الغاز عندكم‏..‏ ماذا حدث‏..‏ ربنا ستر والحمد لله‏..‏ وكانت الإصابة في كتفك ونقلوك إلي المستشفي‏..‏ وظللت تنزف من الساعة الحادية عشرة مساء حتي أتي الطبيب تاني يوم ليقول إنك تحتاج نقل دم‏..‏ وماله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ونقلوا لك الدم وكانت الأكياس ملوثة‏..‏ وإيه يعني‏..‏ هيه جات ع الأكياس‏..‏ يا عم قول يا باسط‏..‏ إن الصحافة تبالغ كثيرا وتهول في الأمور‏..‏ وهل لو كانت الأمور بهذه الخطورة التي يصورونها‏..‏ كنا اقتربنا الآن من ثمانين مليون نسمة؟‏!‏ تلك هي عظمة شعبنا‏..‏ والآن كل الجرائد والكافيهات والسهرات العائلية مشغولة بحديث روتانا وفتيات الليل‏..‏ وسمعة مصر‏,‏ برغم أن مصر الآن صارت في سن يبعدها عن الشبهات‏..‏ واحدة عندها سبعة آلاف سنة مش كبيرة يعني‏,‏ وكلنا يعلم أن مصر لو في وسط ميت راجل لو محافظة علي نفسها خلاص‏..‏ كل هذا يحدث والتعديلات الدستورية الجديدة ستناقش في مجلس الشعب‏..‏ والمصريين ولا هما هنا‏..‏ تعديلات إيه ودستور إيه خليها علي الله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ده بيقولك البت من دول بتكسب عشرة آلاف وربعمائة جنيه في الشهر‏..‏ قلت له إزاي‏..‏ قال لي عشرتلاف جنيه مرة من شغلها‏..‏ وربعمية مرة لما بتتكلم عن شغلها‏.

Wednesday, March 14, 2007

في الممنوع - مجدي مهنا

«فلاحو دكرنس يواصلون الاعتصام في أراضيهم لليوم السابع.. ويطالبون بتدخل الرئيس».
كان هذا هو عنوان التقرير الخبري الذي كتبته الزميلة غادة عبدالحافظ مراسلة «المصري اليوم» في الدقهلية، وسبب الاعتصام هو صدور أحكام قضائية نهائية بطرد الفلاحين من الأراضي التي تسلموها في عام ١٩٦١ من الإصلاح الزراعي، وإعادتها إلي ملاكها الأصليين قبل انتزاعها منهم.
وقبل أيام ناشد نادي مجلس الدولة، الرئيس حسني مبارك التدخل لاستصدار قرار بسفر زميلهم القاضي الشاب للعلاج علي نفقة الدولة في الخارج، ثم مناشدة أخري للرئيس بالتدخل لمنع المذبحة التي كان يعدها وزير العدل المستشار ممدوح مرعي ضد أحد القضاة.
وكل يوم نقرأ في الصحف أخباراً ومناشدات، تطالب بتدخل رئيس الجمهورية لحل مشكلة ما، بعد أن سدت أمامهم جميع السبل.
وأصحاب الشكاوي والعرائض مواطنون عاديون، ورجال أعمال، وعمال يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم أو لمجرد إحساسهم بالخوف من طردهم من عملهم
ومن يتابع هذه الظاهرة، لابد أنه سيصل إلي قناعة بأنه لا يوجد مسؤول في مصر غير رئيس الجمهورية، هو وحده الذي يملك سلطة إصدار القرار في مصر، وهو الذي يتدخل لحل المشكلات، كبيرها وصغيرها، ودولة تدار بهذا الشكل، جميع المسؤولين فيها ينتظرون قرار الرئيس وتعليماته، لابد أن تتفجر فيها الأزمات كل يوم، وتصاب شرايين نظام الحكم بالجلطات وبتصلبها وعدم تدفق الدماء بداخلها، وترسب الدماء الفاسدة بها.
المصريون اليوم لا حل لمشكلاتهم، إلا بالذهاب إلي أولياء الله الصالحين، للدعاء بانفراج أزماتهم ومشكلاتهم، أو بالذهاب إلي الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، لكي يقوم بنفسه بتصعيد المشكلة إلي رئيس الجمهورية،
ولا طريق ثالث، طريقان فقط لحصول المصريين علي حقوقهم، بعد أن أصبح المواطن الذي يلجأ إلي القضاء للحصول علي حقه يعاني الأمرين في سبيل تنفيذ حكم القضاء الصادر لصالحه، بعد رحلة معاناة طويلة في المحاكم قد تستمر سنوات وسنوات، وفي النهاية قد يلجأ إلي الصحف أو إلي بعض البرامج في التليفزيون والفضائيات لمناشدة رئيس الجمهورية تنفيذ حكم القضاء.
كثيراً ما نقرأ في الصحف عن مناشدات من هذا النوع، وكأن احترام أحكام القضاء يتطلب تدخل رئيس الجمهورية لتنفيذها.
قد تصلح هذه الطريقة في الحكم في إدارة «قرية» في ريف أو صعيد مصر، لكنها لا تصلح لإدارة وطن في حجم مصر، أن يتحول رئيس الجمهورية إلي عمدة، هو الذي يأمر وينهي، وهو الذي يقرر كل شيء، وهو كبير العائلة الذي يتم الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة.
وحتي هذه الطريقة لم تعد قائمة في القري، ومهمة العمدة اختلفت الآن عن أيام زمان، فلم يعد له هذا النفوذ والسلطة اللذان كان يتمتع بهما في الماضي، فما بالنا برئيس جمهورية مسؤول عن ٧٧ مليون مواطن، كيف يدير شؤونهم علي طريقة «عمدة» زمان؟ والحمد لله أننا لم نقرأ حتي الآن في الصحف عن مناشدة إحدي الزوجات تدخل رئيس الجمهورية لحمايتها من معاملة زوجها لها، لكن لو حدث ذلك فلن يكون غريباً، لأن مناشدات المواطنين للرئيس لم تترك له شيئاً لا تطالبه بالتدخل فيه لحله، سوي الخلافات الزوجية!