Monday, January 8, 2007

الأشجار تموت واقفةً كصدام ـ محمد حماد


محمد حماد : بتاريخ 6 - 1 - 2007

كرجل أثبت صدام حسين ساعة إعدامه أنه فائق الرجولة، لم أعرف رجلا واجه موته بكل هذا الثبات، وأنا الذي رأيت بأم العين المحكومين بالإعدام وقد تحولوا إلى بقايا بشر لا يقوى الواحد منهم على الوقوف من لحظة الحكم عليه حتى ساعة تنفيذ الحكم، كنت أحمل بعض هؤلاء لأساعد الواحد منهم على أن يتمشى في زنزانته، وكانت قدماه تخذلانه كل مرة وتنهار تحته، فلا يقدر على مجرد الحركة من هول ما ينتظر، شارداً ينظر الواحد منهم إلى لاشيء، لونه أصفر، وصمته خوف، وعيناه من الرعب لا تثبتان في مكان، ومما أعرفه عن الرجل توقعت أن يكون صدام حسين ثابتاً، ولكن ليس بكل هذا الثبات، وتوقعت أن يكون شجاعاً، ولكن ليس كل هذه الشجاعة، وكنت أعرف أنه رجل، ولكن ليس كل تلك الرجولة التي تبدت لحظة أعدموه.!وكمبدئي حاز صدام حسين شرف الموت وهو يعض بالنواجذ على كل ما آمن به، ذهب إلى المقصلة باختياره، لأنه رفض أن يكون رقماً في قائمة المتعاونين مع الأمريكان، هتف باسم بلاده، ولم ينس ساعة الموت فلسطين، قال:عاشت فلسطين وهو يموت، وكانت رسائله التي أراد أن تصل إلى من يعنيهم الأمر أقوى وأبلغ من تلك التي حاول أن يرسلها قاتلوه، وكبعثي ظل متمسكا بعروبته، قابضا على وحدة العراق، رافضاً تقسيمه، بل مات رمزاً للعراق المستقل فأعطى موته للبعث دفقة الحياة من جديد.! وكحاكم عربي كان صدام حسين عصياً على الإذلال الذي أرادوه له وللعراق، وأظهرت شجاعته تحت حبل المشنقة جبن إخوانه من حكام عرب تحت السيطرة الأجنبية، بصق بصلابته في وجوه المتخاذلين قبل المتواطئين ، أثبت أنه الرجل في زمن عز فيه الحكام الرجال، مات واقفاً، أبى أن يكون من حكام الطوائف المتسابقين على رضا أعداء الوطن الواحد، وتركهم يموتون من الخوف ركوعاً أمام أسيادهم من الأمريكان والصهاينة، مات منتصب القامة، وهم يموتون كل يوم من كثرة ما أحنوا قاماتهم الهزيلة.!وكعدو لطخ بالعار وجه أعدائه طول حياتهم وبعد مماتهم، اتهموه بالمقابر الجماعية وهم الذين حولوا العراق كله إلى مقبرة جماعية، صوروا أنفسهم دعاة الديمقراطية وحماة التحضر فوصمهم بموته بالعنصرية وعرى حضارتهم على اللحم، وأظهر بما لا يدع مجالاً للشك صورة القائد الذي لا يلين في وجه أعدائه ساعة الرحيل، قلب التشفي على أصحابه، رده إلى نحور الصغار الذين حاولوا التشفي فيه، عرّاهم من كل معنى للرجولة ساعة فضح حقدهم على رجل مقبل على لقاء ربه، أظهر ضعفهم وهم يقدمونه إلى المقصلة، عاري الرأس مفتوح العينين، مقبل غير مدبر، شامخ كأنه في عرس، واثق الخطوة كأنه في طريقه ليس إلى منصة الإعدام ولكن إلى منصة التنصيب من جديد رئيساً للعراق، كان أكثر اطمئناناً من جلاديه، وكانوا هم المقَّنعين كأنهم هم المساقون إلى المشنقة، وكان هو القوي ساعة الموت، يُعنّف جلاّديه وحبل المشنقة حول رقبته، أسقطهم صرعى طائفيتهم البغيضة قبل أن يصرعوه.!حاولوا إذلال الأمة بتوقيت الإعدام فجر يوم العيد، فحوله هو إلى يوم عزة لكل الأمة، وسيظل يرعبهم في موته كما كان في حياته وربما أكثر، وأظن أنه كان يعرف أنه سيكون أخوف لهم في مماته من حياته، كانوا يخافون منه حياً، ولكنهم سوف يرتعدون رعباً بعد موته، ستخيفهم جثته بأكثر مما أخافهم حياً سجينا بين أيديهم، هو الذي رفض المنفى الآمن وقد دعي إليه عربياً بمباركة أمريكية، وآثر أن يموت في المواجهة بدلاً من أن يرحل ذليلاً ملبياً للأعداء بعض ما يريدون، أنهى صدام حسين حياته على الصورة التي أرادها لنفسه، وترك زملاءه من حكام العرب يتخبطون في حياةٍ الموتُ منها أفضل، وكان يمكن أن نوجز القول فنقول: مات صدام واقفاً كالأشجار، ولكنا حين رأينا شموخه في موته فليس لنا إلا أن نقول بدون أدنى إحساس بالمبالغة إن الأشجار تموت واقفةً كصدام.!

No comments: